نبضات الشاعر محمد الشحات محمد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


موسوعة ثورة الأجناس الأدبية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قراءة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد"/ محمد الشحات محمد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin



المساهمات : 61
تاريخ التسجيل : 24/04/2011

قراءة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد"/ محمد الشحات محمد Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد"/ محمد الشحات محمد   قراءة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد"/ محمد الشحات محمد I_icon_minitimeالإثنين أبريل 25, 2011 11:32 am



قراءة الأستاذ محمد الشحات محمد في قصيدة سحبان العموري
"عتاب بين النفس و الجسد"





تمهيد:

•إذا كان الإنسان هو الكائن الحيّ المُفكّر ، فَمِنَ البديهيّ أن يكون هذا الإنسان عبارة عن جسد مادي محدود (كائن) ، و بوجود الروح (سر الحياة) يصبح هذا الجسد حياًّ قادراً على التكاثر و النمو و العيش و ..خلافه ،
وحيثُ تلتقي الروح بالمادة (الجسد) تُوجدُ النفس (عقل التمييز) .. ،
و لفظة "النفس" من الألفاظ المشتركة و المتعّددة المعاني .. ، فقد تُطلق على الجسد و الروح معاً بحكم توجيهها لهذا الجسد الحي ، و قد يُراد بها الروح فقط على سبيل المجاز .. ،
و من هنا ، فإن روح سر الحياة لا علاقة لها بالاختيار و التوجية ، و إنما هي سرٌ في علم الغيب .. "ويسألونكَ عن الروحِ قلِ الروحُ من أمر ربي" .. أماّ النفس/روح عقل التمييز هي المسئولة عن ذلك التوجيه ، و يتوقف عملها عند النوم أو الممات ، و لذلك لم يذكر الموتُ مقروناً بالروح ، و إنما قُرن بالنفس .. "كل نفسِ ذائقة الموت" ..
و باختلاف تعامل النفس/روح عقل التميز مع المسئولية عماَّ يدور في الكون و المعرفة و السلوك تختلف نوعية هذه النفس (أمارة بالسوء ، لوَّامة ، مطمئنة ، راضية ، مرضية) ،
إذن نحن أمام ثلاثية مكونات الإنسان (روح ، جسد ، نفس) ، و إذا كانت الروح تؤدي دورها كسرٍّ للحياة ، فما دورالجسد (الوعاء المادي) و نفس عقل التميز؟ و ما دور الإنسان (بثلاثية مكوناته) لكي يحيا حياةً كريمة؟
في محاولة لاكتشاف النفس –لا اكتشاف الروح- و إعادة هيكلة الجسد و تشخيص دوره كانت هذه الحوارية في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد" للصديق الشاعر سحبان العموري

النص :


ما بي قِوى يا نفسُ فيكِ أحـارُ
تَقْفينَ سـراً مـا حَوَتـهُ ديـارُ

لا تُكثري لوماً مقامِعُـهُ بَـرَتْ
عَظْميْ وقلبيْ جَرَّحَتْـهُ شِفـارُ

ما عُدتُ أقوى مَشيـة ً لِمَـداركٍ
عَظُمَتْ و منها باللسانِ ِ مَـرارُ

إنَّيْ أنا الكهفُ الذي سَكَنتْ بـه
أحلامُ أهلِ الأرض ِ حيـنَ تُثـارُ

حُمِّلتُ أوزاراً و لَسْـتُ بقـادر ٍ
يا نفسُ حَملاً منكِ كـان قـرارُ

ما كان ذنبـيْ أننـي مُتَهالـكٌ
فكذا خُلِقتُ مـن التـرابِ أغـارُ

إن شِئتِني قفصاً أكُنْ بجوارحـي
أو شِئتِنـي فرسـاً فمنـكِ أ ُدارُ

إنَّا بنوا الأجسادِ ما عَسَفَتْ بنـا
إلا حُلومُ بني النفـوس ِ كِبـارُ

كُفَّ النواحَ أيا قيـودَ مطامحـي
يا سجنيَ المقدورَ فيـكَ أُُضـارُ

أقفلتَ باباً دونَ جيشِ ِ مآربـي
همْ طوعُ عزميْ إنما بكَ خـاروا

فإذا عَزَمْتُ مَسَكتني و إذا قَنِـع
تُ أهنتنـي بالله كيـفَ خيَـارُ

أهوى مُضيّاً لا تُطيـقُ مِراسَـهُ
قد ضِقتَ ذرعاً والهمومُ صِغـارُ

قد كُنتَ يوماً في طريق ِ مباذلي
واليومَ قد خـانَ الزِّنـادَ شـرارُ

لا و الذي سَمَكَ السما وأقامهـا
ما عادَ يُرضى في حِماكَ إسـارُ

أمسكتَ خيلَ الفكرِ غِلتَ لِجامَها
و إذا مَضيقُكَ قد جَفـاهُ مَـزارُ

هذا أنا لا مـا تظـنُّّّ بمَخبَـري
نفسٌ أبت عند الخنـوع ِ تُجـارُ

أنتِ الأُخيَّـة ُ لا يُـرامُ فراقُهـا
إنسان ُ نحنُ إذِ السنونُ قِصـارُ

ما كُنتُ بالباقيْ بِـلاكِ براحـةٍ
يا نفـسُ أدوارُ الحيـاةِ سِفـارُ

فلنمش ِ دربَ العُمرِ في صِلَةٍ كما
خُذِفَت على أيدي الحجيج ِ جِمارُ

إن كلَّ صبري تُسعدي بمُصابَـه
وإذا عَزَمتِ أنـا لقَدحِـكِ نـارُ

فكذلك الإنسـانُ عاصَـرَ وقْتَـه
كَسْراً و جبـراً والرجـاء دِثـارُ


•النص بناء كلّي متشابك رغم أنه يتكون من أربعة مقاطع ، وكلُّ مقطع بصوتٍ مختلف لكنه مُمْتزجٌ بِبنية إيقاعية ضمن مكونات البناء الشعري للتعبير عن حالة المتكلّم و الدلالة على التوافق و طبيعة التجربة الشعرية .. ،
في المقطع الأول يأتي صوتُ الجسد مُتقّطعاً بعد عنفوان ، و كأنه يتلمس تبرير أخطائه بتوجيهات النفس و إدارتها له (منكِ كان قرارُ/منكِ أُدارُ) و يُحاولُ توكيد ذلك بنسب العسف الذي طاله و طال كل "بني الأجساد" إلى تعدّيات طموحات "بني النفس"
(إناّ بني الأجساد ما عسفت بنا .. إلاّ حلوم بني النفوس كبار)
و في هذا المقطع يُبَيّنُ الجسد أنّ النفس إذْ تلومه على أنه سبب هلاكها و تُكثر من اللوم "لوّامة" ، فإنما كان الأجدرُ بها أن تٌقرَّ بكونها "أمارة بالسوء" ، و إن كان الجسدُ لا يُنكر دوره في تشجيع النفس ، و أقرُّ ضمنياًّ أنه بإمكانه نهيها عن هذا السوء ، كما هو قادرٌ على نهيها عن لومها له "لا تُكثري لوماً"!

صوت الجسد:-



ما بي قِوى يا نفسُ فيكِ أحـارُ
تَقْفينَ سـراً مـا حَوَتـهُ ديـارُ
لا تُكثري لوماً مقامِعُـهُ بَـرَتْ
عَظْميْ وقلبيْ جَرَّحَتْـهُ شِفـارُ
ما عُدتُ أقوى مَشيـة ً لِمَـداركٍ
عَظُمَتْ و منها باللسانِ ِ مَـرارُ
إنَّيْ أنا الكهفُ الذي سَكَنتْ بـه
أحلامُ أهلِ الأرض ِ حيـنَ تُثـارُ
حُمِّلتُ أوزاراً و لَسْـتُ بقـادر ٍ
يا نفسُ حَملاً منكِ كـان قـرارُ
ما كان ذنبـيْ أننـي مُتَهالـكٌ
فكذا خُلِقتُ مـن التـرابِ أغـارُ
إن شِئتِني قفصاً أكُنْ بجوارحـي
أو شِئتِنـي فرسـاً فمنـكِ أ ُدارُ
إنَّا بنوا الأجسادِ ما عَسَفَتْ بنـا
إلا حُلومُ بني النفـوس ِ كِبـارُ


و في المقطع الثاني يردُّ صوتُ النفس مُتحفّزاً و مُفنّداً ما انتهى إليه الجسد و ناهياً عن هذه التبريرات التي تجعل من الجسد و كأنه يبدو ضعيفاً و تابعاً مُطيعاً للنفس ، فهذا الجسد حالة ضعفه كان يُمثّل العائق أمام تنفيذ ما تطمح له النفس من أعمال خيرٍ كبيرة و فتوحات لإعمار الأرض ، و ضعفُ الجسد في هذه الحالة كان بمثابة قوة ضاغطة على النفس تمنعها من تحقيق مطالبها في الخير ، كما إنّ للجسدِ مناطق قوته التي يستطيع بها مقاومة أمر النفس بالسوء ، فيقمع طموحاتها في هذا الشأن ، و تؤكّد النفس أنّ الجسد بإمكانه أن يكون سجناً لهوى النفس كما كان سجناً لتوجهات الخير ، و للجسد عندئذٍ صلاحية أن يكون حامياً للنفس ، و ليس تابعاً لهلاكها ، بينما هو غير أمينٍ عليها ، و في حالة قيامه بأداء أمانة حمايتها ستصير النفس نفساً "مطمئنة" ، و لأنها ترنو للاطمئنان فقد أتى الاستفهام مقروناً بالقسم في صوت النفس "بالله كيف خيار؟" ، و يليه القسم مقروناً بنفي رضا النفس عن وجودها في حماية الجسد إن ظلّ على سلبيته مُختلقاً التبريرات لقيده لها إذا عزمت على الخير "لا .. و الذي سمك السما و أقامها .. ما عاد يُرضي في حماك إسارُ" ، و القسم يؤكّد أنها "راضية" بما قدّر لها الله –الذي تُقسمُ به- ، و ترجو مساعدة الجسد لها في تنفيذ ما أمر به شرع الله حتى تصل -برضا الله عنها- إلى أعلى درجة من درجات النفس لتكون عندئذٍ "مرْضية" بالعفو حيث لا يخيبُ الرجاء،
و لا تغفل النفسُ دورها في توجيه الجسد ، فهي إنّما تأخذ من لوم الجسد شكلاً تقومُ بتوجيهه إلى الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها معها ، و التي تتلخصُ في التهذيب لا التعذيب
و بتنوّع الأسلوب في هذا المقطع ما بين إنشائي وخبري ، و الاستفهام الداعي للعقلانية و العدل ، ثمّ القسم في "بالله" و "و الذي سمك السما" ، و كذلك الربط بين الماضي و الحاضر (قد كنتَ يوماً/ و اليوم ) ، بذلك كلّه يتوقف الجسد منتبهاً ، و خصوصاً عندما هدّدته النفس بأنها لن ترضى بوجودها معه إن ظلّ على هذه الحالة

رد النفس:-


كُفَّ النواحَ أيا قيـودَ مطامحـي
يا سجنيَ المقدورَ فيـكَ أُُضـارُ
أقفلتَ باباً دونَ جيشِ ِ مآربـي
همْ طوعُ عزميْ إنما بكَ خـاروا
فإذا عَزَمْتُ مَسَكتني و إذا قَنِـع
تُ أهنتنـي بالله كيـفَ خيَـارُ
أهوى مُضيّاً لا تُطيـقُ مِراسَـهُ
قد ضِقتَ ذرعاً والهمومُ صِغـارُ
قد كُنتَ يوماً في طريق ِ مباذلي
واليومَ قد خـانَ الزِّنـادَ شـرارُ
لا و الذي سَمَكَ السما وأقامهـا
ما عادَ يُرضى في حِماكَ إسـارُ
أمسكتَ خيلَ الفكرِ غِلتَ لِجامَها
و إذا مَضيقُكَ قد جَفـاهُ مَـزارُ
هذا أنا لا مـا تظـنُّّّ بمَخبَـري
نفسٌ أبت عند الخنـوع ِ تُجـارُ


فيسارع صوتُ الجسد مُستنجداً بصوت الروح (سر الحياة) للعودة بهدوء في المقطع الثالث بعد أن تفهّما ما جبُلت عليه النفس الموجودة بطبيعةالحال نتيجةً لالتقاء المادة (الجسد) بالروح ، و بعد أن استطاعت "نفس التميز" أن تُذكّرهما بأنّ غياب النفس يعني خروج الروح و يُصبح الجسدُ جثّةً هامدة ، و مِنْ ثَمَّ فلا غِنى عنْ أي الأطراف الثلاثة ، و ما ينبغي إلاّ التعاون للأخذ بالأمر الشرعي إذْ لا دخل للأطراف بالأمر القدريّ ، و الذي تُمثّله في هذه الحوارية الروح باعتبارها سرّ الحياة ، و هذا ما قدّره اللهُ لها ، و بالتالي تتحوّل جلْسة إلقاء التهم و التبريرات بين الجسد و النفس إلى جلسة عتاب و حماية لكليهما ، و بقبول من الطرفين لحضور الروح الودّي و المُقدّر تواجدها لاستمرار الحياة ، و احتواء الأزمة بين النفس و الجسد ليتّفق كلاًّ منهما على القيام بدوره الشرعيّ .. ، فالروحُ تبدأُ بتهدئة النفس كونها الأخت التي لا يُرام فراقها ، لأن الإنسان لا يكون له وجود إلاّ باجتماع ثلاثيته (روح ،جسد ، نفس) ، و يؤكّد الجسد أنه بغير أخته "النفس" لن يكون براحة ، و يقرّ بأن الحياة عبارة عن رحْلات دوّارة مابين الخير و الشرِّ ، ثمّ تُذكّر الروح بأنه لا غنى عن الجسد في الخير كذلك ، و تستشهدُ بوضع الجمار بين إصبعي اليد (السبابة و الإبهام) لترميها هذه اليد بسرعة لرجم الشيطان ، و رمي الجمرات من شعائر الحجّ ، و إذا كانت اليدُ جزءاً بسيطاً من الجسد ، فإن لها أهمية قصوى في تنفيذ الركن الخامس من أركان الإسلام ،وهو الحج الذي يعود الإنسان بعد تأديته لرحلة هذا الركن كيومٍ ولدَته أمّه ، و يُواصل الجسد عزمه على التطهّر ، فهو يحمي النفس بعدم طاعته لأهوائها ، و إنما بتشجيعها على ما يتوافق و الخير ، و كذلك تحمي النفس الجسد بما لها من قدرة على التمييز بين الخبيث و الطيب ، فتلتزم بالطيّب حتى و إن كان الجسدُ تُغريه تبريراته الشكلية أو العضلية لأن يقوم بالسوء ، و على النفس أنْ تُوجّه الجسد إلى هذا الطيّب ،
و بينما يتبادلُ الجسد والروح أطراف الحديث إلى النفس تستمعُ تلك النفس و تعقل أنه بهذا التفاعل الجهادي يكون ميثاق التواصل رمزاً للمصالحة حتى تمضي الحياة بطقوسها المُقدّرة سلفاً للإنسان

صوتا الجسد و روح سرّ الحياة :-

الروح (سر الحياة) :-


أنتِ الأُخيَّـة ُ لا يُـرامُ فراقُهـا
إنسان ُ نحنُ إذِ السنونُ قِصـارُ
الجسد:-


ما كُنتُ بالباقيْ بِـلاكِ براحـةٍ
يا نفـسُ أدوارُ الحيـاةِ سِفـارُ
الروح:-


فلنمش ِ دربَ العُمرِ في صِلَةٍ كما
خُذِفَت على أيدي الحجيج ِ جِمارُ
الجسد:-


إن كلَّ صبري تُسعدي بمُصابَـه
وإذا عَزَمتِ أنـا لقَدحِـكِ نـارُ


* وقد يقول قائل إنّ المقطع الثالث كان على لسان الجسد فقط ، أقولُ : ولِمَ لا يكون للروح صوتٌ ، و بما يجعلُ لصوت الجسد أهمية إذْ وجود الصوتين معاً يؤكّد حياة هذا الجسد؟ و لم لا تكون نظرةً مُغايرةً لا يرفضها النصُّ حتى لو لم يقصدها مؤلّف النص؟
و قد يقولُ آخر: فلماذا إذن هنا غاب صوت النفس؟ أقول: و منْ قال أن النفس هنا غابت أو غاب صوتها؟ ، ألم توجد النفس بالتقاء الجسد والروح؟ و هاهما هنا .. ، و بالتالي فوجود النفس في هذا المقطع وجودٌ طبيعي ، و أماَّ عن صوت هذه النفس ، فهو موجودٌ بوجود النفس ، و ما ظهور صوتي الجسد والروح إلاّ مُنطلقاً من إيمان النفس بهذين الصوتين و التأمين عليهما ، فكأنهما قالا ما يُرضي النفس .. أليست النفس هي ما تسمع و تعي و منها روح العقل و التميز؟

و هنا يأتي صوتُ النفس نيابةً عن الإنسان (روح ، جسد ، نفس) في المقطع/الصوت الرابع لإعلان هذه المُصالحة بين النفس (روح سر الحياة ، روح عقل التميّز) و الجسد على أن يلتزم كلا طرفي المُصالحة بالتعاون مع الآخر دون تجاوزٍ ، و إنْ حدث هذا التجاوز العيب من أحدهما ، فعلى الطرفين العمل على تصحيح المسار و جبر الكسر أملاً في الرحمة الكبرى ، و بذلك يكون الرجاءُ غطاءً و ستراً لكل عيب (فكذلك الإنسان عاصرَ وقته .. كسراً و جبْراً ، و الرجاء دثارُ)

صوتُ النفس نيابةً عن الإنسان :-


فكذلك الإنسـانُ عاصَـرَ وقْتَـه
كَسْراً و جبـراً والرجـاء دِثـارُ


و بهذه الذروة في الدراما التصاعدية داخل النص ، و اضطراد النفس الشعري به يُوفّقُ الشاعر في الوصول إلى خاتمة للنص الشعري تتوافق مع الخاتمة المطلوبة في نص الحياة


** موسيقى النص

الموسيقى هي المظهر المحسوس لبنية القصيدة و حركتها بما يُتيحُ إمكانية التعبير عن أدقّ المشاعر و أعمق الأفكار و أوسع الدلالات .. ، و تنقسم الموسيقى إلى ظاهرية و أخرى داخلية ..
فأماّ الظاهرة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد" تتحدّد بالتزام مبدع النص "سحبان العموري" بالشكل العمودي للقصيدة و توظيفه لثاني البحر الكامل التام بوزنه التقليدي الموروث لتفجير دلالة عميقة موحية من خلال هذا الإطار التعبيري ، كما يلتزم بحرف الراء المردوفة المضمومة رَوياًّ بما تختصّ الراء بالتطريبِ و أماّ حركة رفعها تتوافع مع سمو و رفعة الإنسان ، و هكذا فإن الرؤية الشعرية هي التي خلقت القافية ، و يعتمد الشاعر في دفقته الشعرية على البناء الدرامي المتنامي عبر المقاطع ، مِماَّ يجعل النصّ أكثر تماسكاً وتآلفاً ، و تتواصل رؤية الشاعر حتى تصل إلى النتيجة الحتمية للعتاب بين النفس و الجسد ، و هي المصالحة تهذيباً لا تعذيبا
و أماَّ عن الإيقاع الداخلي ببنيته الصوتية واللغوية لابدّ له أن يتوافق مع السياق العام للمعاني ، و هذا ما حفلت به قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد" ، و على سبيل المثال لا الحصر:-
- الاستفادة من الامتداد الزمني لحروف المد مثل ألف المد التي تسبق راء الرويّ ،و الواو في سنون/خنوع/هموم/قيود
- الاستفادة بالتكرار للألفاظ و الجمل مثل تكرار لفظة "شئتني" ، "يا نفس" ، "النفوس" ، وكذلك تكرار التوكيد مع الإيقاع الداخلي في جملتي "قد ضقتَ ذرعاً" و "قد كنتَ يوماً" ، و تتكرر أدوات النداء "يانفس" ، "أيا قيود" للتنبيه و لفت النظر ، كما يتكرر معنى العبارتين "ما بي قُوى" و "ما عدْتُ أقوى" لتوكيد اعتراف الجسد بالضعف حتى وإن كان –وهماً- ذات يومٍ قوياًّ!
- الاستفادة من تكرار أصوات الحروف مثل صوت حرف النون سواء كان الحرف مكتوباً أو عبارة عن التنوين (الإنسان ، كسراً ، جبراً ، نحن ، السنون ، يوماً ، مُضياًّ ، حملاً ، أوزاراً ، اللسان) ، و كذلك الاستفادة بالهمس في صوت السين مثل نفس/سنون/الإنسان/كسراً/سفار/تُسعدي/سمك السما
- تجاور الحروف بما هو أقرب للجناس بين الكلمات مثل "عظمي"/"عَظُمَتْ" ، "عزمتُ"/عزمتِ و كذلك بين "بنوا/ بني" و "بنا"
- تماثل الجمل أو التوازي الإيقاعي بين الجمل مثل "إن شئتني قفصاً" و "أو شئتني فرساً" ، و في هاتين الجملتين الشرطيتين يتكرّر الفعل "شئتني" بما يؤكّد توجيه النفس للجسد حسبما تشاء ، و كذلك ففيها من التوازي الإيقاعي ما يشدّ الأذن و يزيد من التأثير ، و من الهندسة الإيقاعية فيها نجد الترصيع حيثُ التوافق الوزني و القوافي الداخلية
- الترصيع كما هو بين جملة "فإذا عزمتُ مسكتني" و جملة "وإذا قنعتُ أهنتني" ، و كذلك التصريع في أول بيت من القصيدة


** الترميز و الصور:

يظلُّ الشعرُ لغة الترميز و التصوير ، و في قصيدة العموري "عتاب بي النفس و الجسد" تأتي الصورة الكلّية طيّعة دون تكلّف أو اصطناع ، فها هو يُشخّص الجسد و النفس ، و يؤكّد أنّ لهما صوت حتى تكون تلك الحوارية الشعرية إذْ يقول :"إننا بنوا الأجساد" ثم يقول "ما عسفت بنا إلاّ حلومُ بني النفوس" ، و من الصور الجزئية الاستعارة في قول الشاعر "خان الزناد شرار" و الكناية في حكمة قوله "أدوار الحياة سفار" ، و كذلك تتوالى الصور الجزئية مثل "جيشُ مآربي" ، "خيل الفكر" ، و المقابلة بين "إن شئتني قفصاً" و "أو شئتني فرساً" ، و القفص هنا كناية عن الضيق و قلّة الطموح ، بينما الفرس كناية عن الجموح والانطلاق ، و كذلك تشبيه الجسد بالكهف ، و في تشبيه الصلة و التعاون بين الجسد و النفس بالصلة بين المادي (الأيدي و الجمار) و الروحي (الإيمان ورمي الشيطان) في رحلة الحج ، و استدعاء تلك الرحلة بصفتها أعلى درجة يرجوها الإنسان إذا كان الج مبروراً ، فسيعود الإنسان طاهراً من ذنوبه و هنا توكيد على أن الأمل قائم في رحمة الله .. ، و يعدُّ البيت الذي يقول فيه العمري :
"فلنمش دربَ العمر في صلة كما ... خُذفتْ على أيدي الحجيج جمارُ"
هو بيتُ القصيد ، و يتنافس مع البيت الحكمة في خاتمة النص حيثُ يقول:
"فكذلك الإسان عاصر وقته .. كسراً و جبراً و الرجاء دثارُ"


** الكلمة الشاعرة:

الكلمة الشاعرة تنبثق من الفكر و الوجدان ، و في الانتقال من موقف شعوري لآخر تنصهر الغايات في الوهج الأكثر وضوحاً ، و تتبادل الكلمات الشاعرة التناغم و الانسجام ، و قد بيّنت قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد" حرَفية شاعرنا "سحبان العموري" في اختيار المفردات و الكلمة الشاعرة و كيفية توظيفها ببناءٍ دلاليٍّ يتوافق مع السياق العام ، و مثالٌ على ذلك فعل "حُمّلتُ" مبني للمجهول لغموض من يُحمّل الجسد أوزاراً ، و كذلك في البيت الأخير فعل "عاصر" جاء ماضياً رغم أن السياق الطبيعي أن يكون مُضارعاً لأن الإنسان يُعاصرُ وقته ، ولكنّ الشاعر أتى به ماضياً لإقراره بأنه مُقدّرٌ سلفاً في علم الغيب ، و ذلك توكيد على الإيمان بالغيب
و إذا كان الجسد يُريد توضيح ما اختصّ به "إني أنا الكهف" ، فكذلك تُبيّن النفس ما تتميز به أيضاً "هذا أنا .. نفسٌ أبت عند الخنوع تُجار"
و حول اختيار الجمع لكلمة الُحلم برفع الحاء و تسكين أو رفع اللام بمعنى ما يراه النائم و يبغي تفسيره و تحقيقه يأتي الجمع مرةً بكلمة أحلام و مرةً أخرى بكلمة حُلوم ، و في الأولى أراد الشاعر كل أنواع الأحلام خيرها وشرها ، بينما في الثانية أراد أن تكون لجمع الأحلام التي تكون سبباً في العسف بالأجساد ..!
و في عبارة "والذي سمك السما" لم تُحذف همزة السماء للوزن الشعري ، و إنما لتوافق السرعة مع اقتصار الشعراء و أهمية الحدث ، كما تأتي كلمة "كبارُ" مرفوعة في عبارة "حلوم بني النفوس كبار" ، و كأنّ لفظة كبار هنا صفة للحلوم على اعتبار أن تركيب الجملة هو "حلومٌ كبار من بني النفوس" ، و كذلك يُمكن أن تكون لفظة "كبار" مرفوعة على أنها فاعل باعتبار الجملة ما عسف بنا إلاّ أن يحلم كبارُ النفوس" ، أو "ما عسف بنا إلاَّ أن حلمت كبار النفوس" ، و لا يُمكن أن تكون لفظة "كبار" صفةً لبني النفوس حيث أن بني النفوس مُعرفة ، و لفظة كبار نكرة
و هكذا تتعانق الكلمة الشاعرة مع الإيقاع البارز المُتمثل في اختيار البحر و القافية المُوحدة و الإيقاعات الداخلية لتشكيل فسحة داعمة لإيقاع القصيدة كَكُلّ بتوظيفٍ واعٍ لما لها من تأثير .

** تحية إلى الصديق الشاعر "سحبان العموري" ، و لرائعته الفلسفية "عتاب بين النفس و الجسد"

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ash3r.yoo7.com
 
قراءة في قصيدة "عتاب بين النفس و الجسد"/ محمد الشحات محمد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة نقدية لقصيدة نعم يامصر للشاعر محمد الشحات محمد /كريمة سعيد اشطيطح
» قصيدة لزوم الزووم - الشاعر محمد الشحات محمد
» الشاعر محمد الشحات محمد في برنامج مساحة حرة (قناة النيل الثقافية)
» - الشعر النسائي بين حرية الإبداع والأفكار الشارة/ محمد الشحات محمد
» قراءتي في قصيدتي "الخط الأحمر"/ محمد الشحات محمد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نبضات الشاعر محمد الشحات محمد :: النقد :: قراءات نقدية-
انتقل الى: